أفضل ما يُقال في يوم عرفة
يُعد يوم عرفة من أعظم أيام السنة الهجرية، وأكثرها بركة وفضلاً، فهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، ويقف فيه الحجاج على جبل عرفة في مشهدٍ روحاني عظيم، يجتمع فيه الملايين من المسلمين قاصدين وجه الله تعالى راجين غفرانه ورحمته. هذا اليوم هو ركن الحج الأعظم، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»، وهو اليوم الذي يُباهي الله فيه ملائكته بعباده الواقفين على عرفات، وهو يوم تُعتق فيه الرقاب من النار، وتُغفر فيه الذنوب، وتُجاب فيه الدعوات، ولذلك فإنّ المسلم، سواءً كان حاجاً أو غير حاج، يُستحب له الإكثار من الطاعات والدعاء، وأن يُلزم لسانه بأفضل الأذكار التي وردت في الكتاب والسنة، تعظيماً لهذا اليوم المبارك.
فضل يوم عرفة
جاءت النصوص القرآنية والحديثية لتُظهر مكانة يوم عرفة، وفضله العظيم، ومن ذلك ما ورد في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة». كما أنه اليوم الذي أُكمِل فيه الدين، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: “يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا)، قال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة.”
إن يوم عرفة يوم اجتمعت فيه الفضائل كلها: صيامه يكفّر سنة ماضية وسنة مقبلة، ودعاؤه مجاب، وذنوبه مغفورة، وموقفه موقف تجلٍّ للرحمة الإلهية. ولذلك، فإنّ الإكثار من الذكر فيه واجب على كل مسلم، والسعي لاختيار أفضل ما يُقال في هذا اليوم المبارك، هو باب عظيم للتقرّب من الله.
أفضل ما يُقال في يوم عرفة
1. أفضل الذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له
روى الإمام مالك في “الموطأ”، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز: «أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». هذا الذكر الجليل يجمع بين التوحيد والتسبيح والتحميد والتمجيد، وهو شعار أهل التوحيد، وأساس الإيمان، ومعراج القلوب إلى رب العالمين.
التكرار لهذا الذكر في يوم عرفة، بقلبٍ خاشع ولسانٍ ذاكر، هو من أعظم القربات، لما يتضمنه من تجديد الإيمان وتوحيد الله الخالص وتنزيهه عن الشرك.
2. الاستغفار والتوبة
من أعظم الأقوال في يوم عرفة: “اللهم اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم”. إن الاستغفار في هذا اليوم المبارك هو بابٌ عظيم للعودة إلى الله، ففيه تُفتح أبواب الرحمة، وتُمحى الذنوب، وتُبدّل السيئات حسنات. ومن أجمل صيغ الاستغفار:
-
“أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه”
-
“رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم”
-
“اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين”
3. دعاء سيد الاستغفار
من جوامع الأدعية التي يُستحب أن يُقال في هذا اليوم:
“اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”.
هذا الدعاء، المعروف بـ”سيد الاستغفار”، يجمع بين التوحيد، والاعتراف بالنعمة، والإقرار بالذنب، وطلب المغفرة، وهو من الأدعية العظيمة التي تُقال في أي وقت، وتتأكد في يوم عرفة المبارك.
4. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
من الذكر المستحب في يوم عرفة كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لما فيها من أجر عظيم، ورفعة للدرجات، ومحو للسيئات، وشفاعة يوم القيامة. ومن صيغ الصلاة:
-
“اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد”
-
“اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم”
5. الدعاء بجوامع الخير
يستحب في يوم عرفة أن يدعو المسلم بجوامع الأدعية التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، ومن ذلك:
-
“اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمتُ منه وما لم أعلم”
-
“اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار”
-
“اللهم ارزقني قلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، ونفساً مطمئنة، وعلماً نافعاً، وعملاً صالحاً”
ما يُستحب للمسلم في يوم عرفة
| العمل | الوصف |
|---|---|
| الصيام | يُستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج، وقد ورد أن صيامه يكفر ذنوب سنة ماضية وسنة مقبلة |
| الإكثار من الدعاء | يُستحب التفرغ للدعاء في هذا اليوم، والإلحاح فيه بصدق |
| الذكر | الإكثار من التهليل، والتكبير، والتحميد، والتسبيح، والاستغفار |
| قراءة القرآن | استغلال فضل اليوم في تلاوة آيات الله والتدبر فيها |
| الصدقة | من الأعمال المستحبة إحياءً لروح التكافل في يوم يُعتق فيه العباد من النار |
| الإكثار من التكبير | سواء المطلق أو المقيّد، والتكبير له صيغ متعددة ومنها: “الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد” |
صيغة الدعاء في عرفة للحاج وغير الحاج
على المسلم أن يُعدّ دعاءً لنفسه ولأهله ولمجتمعه وأمته، فإن أبواب السماء في هذا اليوم مفتوحة، والملائكة شاهدة، والرحمة غامرة. ومن جملة الأدعية المأثورة:
-
“اللهم لا تخرجني من يوم عرفة إلا وقد غفرت لي، ورضيت عني، وكتبتني من عتقائك من النار”
-
“اللهم ارزقني حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، وتجارة لن تبور”
-
“اللهم اجعلني ممن طال عمره وحسن عمله، وختم له بخير، وبلغني الفردوس الأعلى بغير حساب ولا سابقة عذاب”
التلبية وأثرها في يوم عرفة
يستحب للحاج أن يُكثر من التلبية إلى أن يبدأ في رمي جمرة العقبة الكبرى، وصيغتها المعروفة:
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”
هذه التلبية إعلان بالتوحيد، وتجديد للعهد، وتعبير عن الخضوع الكامل لله عز وجل. أما غير الحاج، فله أن يُكثر من التهليل والتكبير والاستغفار والدعاء، والتلبية ليست واجبة عليه، لكن يجوز له قولها على سبيل الذكر.
الأعمال الصالحة الأخرى في يوم عرفة
يوم عرفة ليس فقط يوم دعاء، بل هو يوم عمل صالح متكامل يشمل:
-
صلة الرحم: زيارة الأهل وبر الوالدين.
-
إصلاح ذات البين: المبادرة إلى التسامح والعفو.
-
ذكر الله في كل حال: أن يلهج اللسان بالحمد والثناء والتسبيح.
-
الصدقة والإحسان للفقراء: لما لها من أجر مضاعف في الأيام العشر.
منزلة جبل عرفات ومكانته
جبل عرفات، أو ما يُعرف بـ”جبل الرحمة”، هو الموضع الذي يقف فيه الحجاج في يوم عرفة. وله مكانة عظيمة في الدين والتاريخ، فهو الموضع الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم خطبته الشهيرة في حجة الوداع، والتي وضع فيها أسس المساواة والحقوق والعدل. الوقوف بهذا الجبل هو لحظة فريدة في عمر الإنسان، تُغسل فيها الذنوب، وتُرفع فيها الدرجات، وتُكتب فيها صحائف بيضاء.
الأثر الروحي والقلبي ليوم عرفة
يوم عرفة هو يوم التغيير الحقيقي، فيه يعيد المسلم تقييم حياته، ويتأمل في علاقته بالله، ويعقد العزم على التوبة النصوح، ويُراجع صفحات العمر. إنه يوم تزكية النفس وتطهير القلب وتوجيه الوجهة نحو الخالق، بتجرد من الدنيا، وتذلل صادق أمام جلال الله.
الخاتمة
يوم عرفة هو هبة من الله لعباده، يوم مغفرة ورحمة واستجابة. وما يُقال فيه من الأذكار والأدعية هو زاد القلوب ومفتاح السعادة في الدنيا والآخرة. من أدركه وملأ نهاره بالذكر والتضرع والابتهال فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومن غفل عنه فقد فاته خير كثير.
المراجع:
-
صحيح مسلم – كتاب الصيام – باب فضل صوم يوم عرفة.
-
الموطأ للإمام مالك – كتاب الحج – باب ما جاء في دعاء يوم عرفة.
